أفاد تقرير دولي ان بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد تقدماً كبيراً في إصلاح أنظمتها التعليمية بهدف زيادة معدلات الالتحاق بجميع مستويات التعليم وسد الفجوة بين الجنسين في هذا المجال. إلا أن تلك الإنجازات مازالت أقل من مثيلاتها في بلدان أخرى لها نفس المستويات من التنمية الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، مازالت العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي ضعيفة؛ ولم يتم بعد كسر الفجوة بين التعليم والتوظيف.
هذه الاستنتاجات كشف عنها تقرير جديد صادر عن البنك الدولي بعنوان: «الطريق غير المسلوك ـ إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وتحت رعاية الملكة رانيا العبد الله، شهدت العاصمة الأردنية عمان أمس إطلاق هذا التقرير الرئيسي في حفل اشترك في تنظيمه كل من الحكومة الأردنية ومجموعة البنك الدولي، وحضرته سهير العلي، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي نيابة عن الملكة، ووزير التربية والتعليم الأردني، وبعض كبار واضعي السياسات الآخرين من الحكومة الأردنية، بالإضافة إلى نخبة متميزة من المشاركين من بينهم عدد من وزراء التربية والتعليم في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وممثلين عن القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام. التقرير الرئيسي عن التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو التقرير السادس عن التنمية في المنطقة الذي يصدره مكتب إدارة المنطقة في البنك، يحكي قصة تطوير التعليم في المنطقة، مركزا بالتحديد على إسهامه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وفي كلمته الرئيسية التي ألقاها خلال حفل إطلاق هذا التقرير، سلط مروان المعشر، النائب الأول لرئيس البنك الدولي للشؤون الخارجية، الضوء على ضرورة قيام بلدان المنطقة بالمزيد من الإصلاحات، حيث قال: «مازالت نوعية التعليم في المنطقة لا تصبو لمتطلبات النمو الاقتصادي من قدرات ومهارات بشرية مؤهلة حيث تواجه العملية التعليمية معوقات تحد من تنمية قدرة الطالب والطالبة على المهارات التحليلية والقدرة على حل المشاكل، والتفكير النقدي، والإبداع. لقد حان الوقت لأن نولي تلك المهارات درجة كافية من الاهتمام توازي بل تفوق تلك التي أولتها المنطقة لمحو الأمية والالتحاق بالمدارس». ووفقاً لهذا التقرير، ينبغي على بلدان المنطقة تسريع عجلة الإصلاحات في ثلاثة مجالات، هي: (1) تحويل التركيز على المباني والمواد «المدخلات» إلى التركيز على «النتائج» ونماذج الشراكة مع الأطراف الفاعلة الأخرى؛ (2) الانتقال بأساليب الإدارة إلى تبني الحوافز وتشجيع الأداء من جانب القائمين على تقديم الخدمات التعليمية؛ (3) الانتقال من أسلوب المساءلة أمام الأجهزة الإدارية بالدولة إلى أسلوب المساءلة أمام الجمهور للتأكد من أن التعليم، كسلعة عامة، يغطي أكبر عدد ممكن من المواطنين. وتؤكد دانييلا جريساني نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن هناك إدراكا على نطاق واسع لأهمية الدور الذي يلعبه التعليم لإتاحة الفرص للشباب في المنطقة وكذلك دعما سياسيا لسد الفجوة الحالية بين العملية التعليمية ومتطلبات النمو الاقتصادي في الوقت الحالي. إن إصلاح التعليم أصبح ضرورة لمواجهة تحدي البطالة والاندماج في الاقتصاد العالمي. ويوصي التقرير إلى أن على كل بلد في هذه المنطقة أن يرسم المسار الخاص به بالنسبة للإصلاحات الجديدة. وفي هذا الصدد، قال مايكل روتكوسكي، مدير قطاع إدارة التنمية البشرية بمكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «تتباين نقطة البداية تبعاً لمستوى التقدم المُحرز حتى الآن. ويقتضي الطريق الجديد توازناً جديداً لإجراءات الهندسة والحوافز والمساءلة العامة، لكن الشكل الدقيق لهذا الطريق الجديد لن يكون واحداً لكل بلد من بلدان المنطقة». ويهدف هذا التقرير إلى مساندة واضعي السياسات في هذه المنطقة على رسم وإعداد استراتيجية تعليمية أكثر فعالية تستند إلى الخبرات والتجارب العالمية والإقليمية في هذا القطاع. وترتكز أسس هذا التقرير على نموذج جديد من المُتوقع أن يؤدي إلى زيادة فعالية جهود الإصلاح: حيث إنه يؤكد الدور المركزي للحوافز والمساءلة العامة لتحقيق أهداف هذا القطاع. ويستطلع التقرير ما إذا كانت الاستثمارات التي تمت في السابق في قطاع التعليم قد حققت أقصى عائد اقتصادي منها. ويبحث هذا التقرير كذلك أثر الاستثمارات التي تمت في قطاع التعليم على التنمية، من قبيل أثر التغيّرات السكانية، والعولمة، والاقتصاد القائم على المعرفة، والهجرة، ودور سوق العمل.
كما يغطي جميع مستويات التعليم: الأساسي، والثانوي، والعالي. اعتمد فريق إعداد التقرير على طرق البحث النوعية والكمية على حد سواء، مستخدماً نُهُج تحليلية ومقارنة بغرض تقييم فعالية استراتيجيات إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتمت مقارنة نواتج عملية التعليم في بلدان هذه المنطقة مع مثيلاتها في بلدان نامية أخرى. وجرى تقييم استراتيجيات إصلاح التعليم في هذه المنطقة باستخدام إطار تحليلي جديد يقترح مزيجاً متوازناً بشكل جيد من الهندسة، والحوافز، والمساءلة العامة.
وأخيراً، تم تقييم نواتج أسواق العمل على أساس حسن قيامها بوظائفها، وذلك في ضوء جهود الإصلاح السابقة. وقد استفادت عملية إعداد هذا التقرير كذلك من المساندة التي قدمتها شبكة من الباحثين والمشتغلين بالتعليم وقادة الرأي داخل المنطقة وخارجها. يقف التعليم عند مفترق طرق بالنسبة لمستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهو يلعب دوراً بالغ الأهمية في تشجيع النمو الاقتصادي وتخفيف حدة الفقر، على مستويي البلد والأسرة على حد سواء. وينظر العديد من أصحاب المصلحة الحقيقية في المنطقة إلى التعليم بوصفه التحدي الأكثر أهمية أمام التنمية، كما يأتي إصلاح التعليم في صدارة أجندة الإصلاح في الكثير من حكومات بلدان تلك المنطقة. وبعد النجاح في توسيع نطاق أنظمة التعليم لتغطي معظم الأطفال في سن الالتحاق بالمدارس، من البنين والبنات، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستعدة الآن كي تسلك طريقاً جديداً. ورغم أن الشكل الدقيق لهذا الطريق الجديد لن يكون واحداً لكل بلد من بلدان المنطقة، فإن جميع البلدان بغض النظر عن أوضاعها المبدئية ستقتضي تحولاً من «مدخلات الهندسة» إلى «الهندسة التي تستهدف تحقيق النتائج»، إلى جانب اعتماد مزيج من الإجراءات المتعلقة بالحوافز والمساءلة العامة، ناهيك عن الإجراءات اللازمة لتحسين نواتج أسواق العمل. من الضروري أن تسير إصلاحات أسواق العمل جنباً إلى جنب مع الإصلاحات الخاصة بنظام التعليم، وفي حالة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن أسواق العمل المعنية تمتد إلى ما هو أبعد من حدود أي بلد، أو حتى من حدود المنطقة بسبب الاتجاهات الهامة في مجال الهجرة، وبسبب الفرص المتاحة. بالرغم من تلك النجاحات ـ والموارد الهائلة المستثمرة في التعليم ـ فإن هذه الإصلاحات لم تحقق النتائج المرجوة منها بالكامل، ولاسيما أن العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي مازالت ضعيفة؛ ولم يتم بعد سد الفجوة بين التعليم والتوظيف؛ كما أن نوعية التعليم مازالت مخيبة للآمال. لم تلحق المنطقة كذلك ببقية العالم بالنسبة لمعدلات تعليم الكبار ومتوسط سنوات الدراسة بين السكان البالغة أعمارهم 15 عاماً فأكثر. وبالرغم من النمو الكبير في مستوى التحصيل العلمي، مازالت هناك «فجوة تعليمية» مقارنة بالمناطق الأخرى في العالم من حيث الأرقام المطلقة. وإضافة إلى ذلك، ثمة تحديات جديدة تلوح في الأفق، أولاً، وهو الأهمّ، أن لدى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً إحدى أكبر شرائح الشباب على مستوى العالم قياساً إلى سكانها. ومع تقدم تلك الشريحة العمرية عبر أنظمة التعليم، فإنها ستخلق مستويات غير مسبوقة من الطلب على فرص التعلم الجديدة، بل وستكون هناك توقعات أكثر قوة لتحقيق نتائج أفضل. ثانياً، أدت العولمة إلى وجود طلب على مزيج مختلف من المهارات والكفاءات المهنية، وسيؤثر ذلك بدوره على ما يتعين أن توفره أنظمة التعليم من حيث محتواه وطبيعته. وأخيراً، تنفق بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوقت الراهن بالفعل جزءاً كبيراً نسبياً من مواردها العامة على التعليم ـ وسيقتضي الطلب الإضافي على تحسين الخدمات زيادة الكفاءات وتنويع مصادر التمويل. ويقتضي «الطريق الجديد» توازناً جديداً لإجراءات الهندسة والحوافز والمساءلة العامة. وسيقتضي في الوقت ذاته تجديد التأكيد على إصلاح أسواق العمل الداخلية والخارجية، لكن الشكل الدقيق لهذا الطريق الجديد في كل بلد لن يكون واحداً، ويرجع ذلك إلى أن بعض بلدان المنطقة قد قامت بالفعل بتطبيق عدد أكبر من الإصلاحات في أنظمة التعليم الخاصة بها، وحققت نتائج أفضل مقارنة بغيرها، ولذا، فإن أجندة الإصلاح لكل بلد ستختلف تبعاً لأوضاعه المبدئية، إلا أنه ينبغي على جميع بلدان المنطقة أن تجد مزيجاً جديداً من الهندسة والحوافز والمساءلة العامة، بالإضافة إلى الإجراءات اللازمة لتحسين نواتج أسواق العمل.